يشير شروط صياغة شرط التحكيم إلى النص أو البند المدرج في العقد، والذي يتفق بموجبه الطرفان على إحالة أي نزاع قد ينشأ بينهما إلى هيئة تحكيم بدلاً من اللجوء إلى المحاكم النظامية، ووفق مواد نظام التحكيم السعودي، يعتبر شروط صياغة شرط التحكيم “اتفاقًا كتابيًا بين الطرفين على إحالة نزاع معين أو جميع النزاعات الناشئة عن علاقة قانونية معينة إلى التحكيم”، لذلك إذا كنت مهتم بمعرفة شروط صياغة شرط التحكيم عليك قراءة هذا المقال الذي يتناول باستفاضة شروط صياغة شرط التحكيم.
Table of Contents
الطبيعة القانونية للشرط
يتمتع شرط التحكيم بصفة الانفصال (Separability)، أي أنه ينظر إليه كعقد مستقل عن العقد الأساسي، وعليه، فإن بطلان أو إنهاء العقد الأصلي لا يعني بالضرورة بطلان شرط التحكيم، ما لم يثبت أن سبب البطلان يطال الشرط ذاته، وهذا المبدأ مكرّس في المادة (10) من نظام التحكيم، وهو ما يعزز من استقرار العلاقة التحكيمية ويضمن استمرارية الإجراءات.
القيمة الإلزامية للشرط
بمجرد توافر شرط التحكيم الصالح قانونًا، يُصبح ملزمًا للطرفين، ويحظر على أي منهما رفع دعوى أمام المحكمة المختصة ما دام النزاع مشمولاً بالشرط، وتشير مواد النظام إلى أن المحكمة ترفض الدعوى إذا تبين لها وجود شرط تحكيم، ما لم تكن ترى أن الشرط باطل أو غير قابل للتطبيق.
تواصل الآن مع أفضل شركة محاماة متخصصة في قضايا التحكيم التجاري، واحصل على استشارة قانونية
الأسس القانونية لصياغة شرط التحكيم في النظام السعودي
1. الشكل القانوني: ضرورة الكتابة
تشترط الكتابة لصحة شرط التحكيم وفقًا لنظام التحكيم، فلا يعترف بالاتفاق الشفهي على التحكيم، بل يجب أن يكون النص مدرجًا في:
- نص العقد الأصلي.
- مذكرة أو رسالة مستقلة.
- مرجع ضمني لنموذج بند تحكيم معتمد (مثل نماذج مركز التحكيم السعودي أو غرفة التجارة).
ويمكن أن يعتبر الاتفاق كتابيًا إذا تم تضمينه عبر تبادل خطابات، أو بريدي إلكتروني، أو مراسلات رسمية تثبت رضا الطرفين.
2. وضوح النص: تجنب الغموض والالتباس
من أهم مبادئ صياغة شرط التحكيم هو الوضوح، فالنص الغامض أو غير الدقيق قد يؤدي إلى:
- رفض المحكمة الاعتراف بالشرط.
- خلاف حول نطاق النزاعات المشمولة.
- تعطيل إجراءات التحكيم.
لذلك، يجب أن يتضمن الشرط عناصر واضحة مثل:
- نوع النزاعات المشمولة (تجارية، استثمارية، بناء، إلخ).
- طبيعة الإجراءات (تحكيم مؤسسي أم حر).
- مكان التحكيم.
- اللغة المستخدمة.
- عدد المحكمين.
3. الاختصاص والانفصال عن القضاء
يعزز نظام التحكيم من مبدأ اختصاص هيئة التحكيم في تقرير نَفْسِها (Competence-Competence)، أي أن هيئة التحكيم لها الحق في تقرير مدى صلاحيتها في النظر في النزاع، حتى لو اعترض أحد الأطراف على وجود شرط التحكيم.
ومع ذلك، تبقى المحكمة النظامية صاحبة الاختصاص في التحقق من صلاحية الشرط في حال رفع دعوى أمامها.
العناصر الأساسية في صياغة شرط التحكيم وفق النظام السعودي
لضمان فعالية شرط التحكيم، يجب أن يتضمن مجموعة من العناصر الجوهرية التي تضمن شرعيته وتنفيذه. وفيما يلي أبرز هذه العناصر:
1. تحديد نطاق النزاعات المشمولة
من الخطأ الشائع أن يكون شرط التحكيم عامًا جدًا مثل: “يُحال أي نزاع بين الطرفين إلى التحكيم”، فهذا النص غير كافٍ قانونيًا وقد يشكك في صلاحيته.
الصياغة المثلى:
“يُحال إلى التحكيم أي نزاع ينشأ عن تفسير أو تنفيذ هذا العقد، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر: التزامات الدفع، التسليم، الجودة، أو الإنهاء المبكر للعقد.”
2. اختيار جهة التحكيم (التحكيم المؤسسي مقابل الحر)
يمكن للأطراف اختيار التحكيم تحت مظلة جهة رسمية، مثل:
- مركز التحكيم السعودي (SCC).
- غرفة التجارة السعودية.
- المركز الدولي للتحكيم التجاري (ICAC).
أو يمكن اختيار التحكيم الحر (Ad Hoc)، حيث ينظم الأطراف الإجراءات بأنفسهم.
نص توصي به:
“يُحال النزاع إلى مركز التحكيم السعودي (SCC) وفقًا لنظامه ولوائحه السارية وقت تقديم طلب التحكيم.”
3. تحديد مكان التحكيم (Seat of Arbitration)
مكان التحكيم له أهمية قانونية كبيرة، لأنه يحدد:
- النظام القانوني الذي يحكم إجراءات التحكيم.
- المحكمة المحلية المختصة برفع الدعاوى الداعمة أو الطعن في قرار التحكيم.
مثال:
“يُعدّ الرياض مكان التحكيم، وتخضع الإجراءات للنظام السعودي للتحكيم.”
4. تحديد اللغة
لتفادي تعقيدات الترجمة والتأخير، يجب تحديد اللغة الرسمية للإجراءات.
نص مقترح:
“تجرى إجراءات التحكيم باللغة العربية.”
5. عدد المحكمين وطريقة تعيينهم
يمكن الاتفاق على محكم واحد أو ثلاثة محكمين، ويجب تحديد آلية التعيين بوضوح.
مثال:
“تتألف هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين، يعيّن كل طرف محكمًا واحدًا، ويُعيّن المحكمان معًا المحكم الثالث الذي يُكون رئيسًا للهيئة.”
6. الإجراءات والقواعد المطبقة
إذا كان التحكيم مؤسسيًا، تُطبّق قواعد الجهة المختصة. أما في التحكيم الحر، فيُمكن الإشارة إلى قواعد دولية مثل قواعد UNCITRAL.
نص توصي به:
“تدار إجراءات التحكيم وفقًا لقواعد مركز التحكيم السعودي، والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من هذا الشرط.”
أفضل الممارسات في صياغة شرط التحكيم
لضمان نجاح شرط التحكيم وتفعيله في حال النزاع، يجب اتباع أفضل الممارسات القانونية والعملية:
1. الاستعانة بمحامٍ متخصص
على الرغم من بساطة بعض البنود، فإن صياغة شرط التحكيم تتطلب فهمًا عميقًا للنظام السعودي، وخبرة في التعامل مع النزاعات التحكيمية، لذا، يوصى دائمًا بالاستعانة بمستشار قانوني متخصص في التحكيم.
2. تجنب الصياغة العامة أو غير المحددة
الصيغة العامة مثل “يحال النزاع إلى التحكيم” قد تعتبر باطلة أو غير قابلة للتنفيذ، ويجب أن تكون الصياغة محددة، واضحة، وقابلة للتطبيق.
3. التوافق مع طبيعة العقد
لا يمكن تطبيق نموذج واحد على جميع العقود. فمثلاً:
- في العقود الحكومية: قد يشترط التحكيم المحلي فقط.
- في العقود الدولية: يفضل تضمين بند للاعتراف بقرارات التحكيم وفق اتفاقية نيويورك.
4. التحديث الدوري للبنود
مع تطور القوانين، مثل تعديلات نظام التحكيم أو صدور نماذج جديدة من مراكز التحكيم، يجب مراجعة بنود التحكيم وتحديثها دورياً.
الأخطاء الشائعة في صياغة شرط التحكيم وفق النظام السعودي
رغم أهمية التحكيم، إلا أن العديد من الأطراف يقعون في أخطاء قانونية تضعف من قوة شرط التحكيم، بل قد تؤدي إلى بطلانه، ومن أبرز هذه الأخطاء:
1. عدم تضمين الشرط كتابيًا
الاعتماد على الاتفاقات الشفوية أو التفاهمات غير الموثقة هو خطأ قانوني فادح، فالنظام السعودي يشترط الكتابة صراحة.
2. تضمين شرط تحكيم غير مكتمل
مثل: “يُحل النزاع بالتحكيم”، دون تحديد الجهة، أو مكان التحكيم، أو عدد المحكمين، هذه الصيغة تعرض الشرط للطعن.
3. تعارض الشرط مع النظام العام
إذا تضمن العقد شرط تحكيم في نزاعات تدخل في اختصاص المحاكم النظامية حصريًا (مثل الجرائم، أو بعض المنازعات الأسرية)، فإن الشرط يكون باطلًا.
4. عدم تحديد الجهة المختصة بالتحكيم
عدم تحديد جهة التحكيم (مثل مركز التحكيم السعودي) قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات، حيث لا يوجد هيكل تنظيمي يدير العملية.
5. استخدام نماذج قديمة أو غير معتمدة
بعض الشركات تستخدم نماذج تحكيم من دول أخرى دون تعديلها لتتناسب مع النظام السعودي، مما قد يؤدي إلى تعارض قانوني.
النماذج المقترحة لصياغة شرط التحكيم
فيما يلي نماذج عملية لصياغة شرط التحكيم وفق النظام السعودي، يمكن استخدامها كأساس في العقود المختلفة:
النموذج 1: التحكيم المؤسسي (مركز التحكيم السعودي)
“يُحال أي نزاع ينشأ عن أو فيما يتعلق بهذا العقد، بما في ذلك بشأن وجوده أو صحته أو فسخه، إلى مركز التحكيم السعودي (SCC) وفقًا لنظامه ولوائحه السارية وقت تقديم طلب التحكيم. تتألف هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين، يُعيّن كل طرف محكمًا واحدًا، ويُعيّن المحكمان معًا المحكم الثالث الذي يُكون رئيسًا للهيئة. يكون مكان التحكيم مدينة الرياض، وتُجرى الإجراءات باللغة العربية.”
نموذج 2: التحكيم الحر (Ad Hoc)
“أي نزاع ينشأ بين الطرفين نتيجة لهذا العقد يحال إلى التحكيم وفقًا لنظام التحكيم السعودي. تتألف هيئة التحكيم من محكم واحد يتم تعيينه بالتراضي بين الطرفين خلال ثلاثين (30) يومًا من تاريخ إشعار النزاع. في حال عدم الاتفاق، يُعيّن المحكم من قبل رئيس المحكمة التجارية بالرياض. يكون مكان التحكيم مدينة جدة، وتُجرى الإجراءات باللغة العربية وفقًا لقواعد الأونسيترال (UNCITRAL) للتحكيم.”
النموذج 3: للعقود الدولية
“تُحل جميع المنازعات الناشئة عن هذا العقد بالتحكيم وفقًا لنظام التحكيم السعودي واتفاقية نيويورك لعام 1958. يُحال النزاع إلى مركز التحكيم السعودي، ويُكون مكان التحكيم في الرياض. تتألف هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين، وتُجرى الإجراءات باللغة الإنجليزية. يُعترف بالقرار التحكيمي وينفذ في المملكة العربية السعودية وفقًا لأحكام النظام.”
دور المحاكم السعودية في دعم التحكيم
على الرغم من أن التحكيم يعدّ بديلاً عن القضاء، إلا أن المحاكم السعودية تلعب دورًا داعمًا، وليس عائقًا، في العملية التحكيمية، ووفقًا للمادة (13) من نظام التحكيم، يحق للهيئة التحكيمية أو لأحد الطرفين طلب:
- المساعدة في جمع الأدلة.
- استدعاء الشهود.
- الحصول على مستندات من جهات حكومية.
كما تصدر المحاكم قرارات لـ:
- تأييد قرارات التحكيم.
- تنفيذها محليًا ودوليًا.
- البت في طلبات إبطال القرار التحكيمي (في حدود ما تنص عليه المادة 41 من النظام).
وهذا الدعم القضائي يعزز من مصداقية التحكيم ويجعله خيارًا جذابًا للمستثمرين.
التحكيم الدولي والاعتراف بالقرارات
وكذلك بفضل انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، أصبحت قرارات التحكيم الصادرة في السعودية قابلة للتنفيذ في أكثر من 170 دولة، والعكس صحيح.
ولضمان قبول القرار التحكيمي دوليًا، يجب أن:
- يكون شرط التحكيم متوافقًا مع المعايير الدولية.
- تحترم مبادئ المحاكمة العادلة والسماع للطرفين.
- لا يتعارض القرار مع النظام العام السعودي.
خاتمة: نحو صياغة قانونية فعّالة وآمنة
ختاماً إن صياغة شرط التحكيم وفق النظام السعودي ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي خطوة استراتيجية تحدد مصير النزاعات المستقبلية. فالشرط الدقيق والواضح يقلل من النزاعات، ويُسرّع من حل المنازعات، ويُعزز من بيئة الأعمال في المملكة.
ولضمان فعالية هذا الشرط، يجب:
- الالتزام بالكتابة.
- تضمين العناصر الأساسية (النطاق، الجهة، المكان، اللغة، عدد المحكمين).
- تجنب الأخطاء الشائعة.
- الاستفادة من النماذج المعتمدة.
وفي ظل رؤية السعودية 2030، وسعي المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية، يصبح التحكيم أداة حيوية للعدالة السريعة والفعالة. وعليه، فإن تطوير المهارات في صياغة شرط التحكيم يعدّ استثمارًا قانونيًا واقتصاديًا ذا عائد طويل الأمد.
موضوع مهم نشر تغريدة قد تكلفك 3 ملايين