التحقيق الإداري في بيئة العمل

التحقيق الإداري في بيئة العمل

كثيراً ما نسمع عن التحقيق الإداري في بيئة العمل، بداية وفي ظل تطور الأنظمة القانونية والتنظيمية في المملكة العربية السعودية، أصبح التحقيق الإداري في الشركات أحد الركائز الأساسية لضمان الشفافية، والانضباط الوظيفي، وحماية حقوق الموظفين وأصحاب العمل، ويعتبر هذا التحقيق آلية قانونية تعتمد عند وقوع مخالفات أو سلوكيات غير مهنية داخل المؤسسات، بهدف فحص الوقائع بشكل عادل وحيادي قبل اتخاذ أي إجراءات تأديبية.

لذلك يعمل على تنظيم التحقيق الإداري في الشركات السعودية من خلال نظام العمل السعودي، ونظام مكافحة الفساد (النزاهة)، بالإضافة إلى الأنظمة الداخلية للشركات واللوائح التنفيذية الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وفي هذا المقال، سنستعرض شروط التحقيق الإداري في الشركات وفق النظام السعودي، مع التركيز على الجوانب القانونية، والإجراءات الواجب اتباعها، وأهمية الالتزام بالضمانات القانونية.


تواصل الآن مع أفضل شركة محاماة متخصصة في القضايا العمالية والشركات، واحصل على استشارة قانونية.

ما هو التحقيق الإداري في الشركات؟

التحقيق الإداري هو إجراء تنظيمي داخلي تقوم به الشركة أو الجهة الإدارية لفحص واقعة محددة يشتبه في ارتكابها من قبل موظف أو أكثر، مثل الإهمال، السرقة، التزوير، أو مخالفة التعليمات، ويهدف هذا التحقيق إلى:

  • جمع الأدلة.
  • الاستماع لأطراف الحدث.
  • تحديد المسؤولية.
  • اتخاذ قرار تأديبي عادل ومستند إلى وقائع.

ولا يعتبر التحقيق الإداري بديلاً عن التحقيق الجنائي، لكنه قد يكون مقدمة له في حال اشتباه في جريمة جنائية.


أهمية التحقيق الإداري وفق النظام السعودي

توضح رؤية السعودية 2030 حرص الدولة على بناء بيئة عمل عادلة ومحفزة، تُعزز من كفاءة الأداء وتحفظ حقوق جميع الأطراف، ومن هنا، فإن الالتزام بإجراءات التحقيق الإداري من علامات الحوكمة الرشيدة داخل الشركات، كما أن اتباع الإجراءات القانونية السليمة في التحقيق يحمي الشركة من:

  • الدعاوى القضائية من الموظفين.
  • العقوبات الإدارية من قبل الجهات الرقابية.
  • الضرر في السمعة المؤسسية.

شروط التحقيق الإداري في الشركات السعودية

لضمان شرعية وفعالية التحقيق الإداري، يجب الالتزام بعدة شروط قانونية وإجرائية، نوضحها في الأعمدة التالية:

1. وجود مخالفة وظيفية واضحة

لا يمكن إجراء تحقيق إداري إلا عند وجود شكوى أو تقرير يُفيد بوقوع مخالفة تتعلق بالواجبات الوظيفية أو النظام الداخلي للشركة. وتكون هذه الخطوة الشرط الأول لبدء التحقيق.

2. تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومحايدة

يجب أن تشكل لجنة تحقيق إداري من أفراد غير متورطين في الحدث، وننصح بأن تتكون من أشخاص لديهم خلفية قانونية أو إدارية. وفقاً للممارسات القانونية، يجب أن تتمتع اللجنة بالاستقلالية والحياد.

3. إخطار الموظف المُتَّهم كتابةً

يجب إبلاغ الموظف المُتَّهم بالتحقيق خطياً، مع تزويده بنسخة من الشكوى أو المخالفة المنسوبة إليه، ويشمل الإخطار:

  • تاريخ ووقت التحقيق.
  • طبيعة الاتهام.
  • حقه في الدفاع عن نفسه.

وهذا الشرط يتوافق مع مبدأ حق الدفاع الوارد في الأنظمة السعودية.

4. ضمان حق الدفاع والاستماع للطرف المتهم

من أهم ضمانات العدالة الإجرائية في النظام السعودي هو حق الموظف في الدفاع عن نفسه. ويشمل ذلك:

  • الاستماع لشهادته.
  • وأيضاً تقديم أدلة ومستندات.
  • الاستعانة بمحامٍ أو ممثل قانوني (في بعض الحالات).

وقد أكدت المحكمة الإدارية في عدة أحكام على بطلان قرارات التأديب إذا تم إصدارها دون تمكين الموظف من الدفاع.

5. جمع الأدلة والتحفظ على المستندات

يجب على لجنة التحقيق اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لجمع الأدلة، مثل:

  • استجواب الشهود.
  • مراجعة السجلات والملفات.
  • تحليل البريد الإلكتروني أو سجلات الدخول (في حدود القوانين).

ويجب أن تحتفظ بالأدلة بشكل آمن وسرّي، تجنباً لانتهاك نظام حماية البيانات الشخصية.

6. إصدار تقرير التحقيق بشكل مكتوب

بعد انتهاء جلسات الاستماع، يجب على اللجنة إصدار تقرير تحقيق إداري مفصل يتضمن:

  • الوقائع.
  • الأدلة.
  • مثل شهادات الشهود.
  • النتائج والتوصيات.

وييتم إرسال هذا التقرير إلى الإدارة العليا أو الجهة المختصة لاتخاذ القرار النهائي.

7. اتخاذ القرار التأديبي خلال مدة معقولة

يجب ألا يتأخر اتخاذ القرار التأديبي عن 90 يوماً من تاريخ انتهاء التحقيق، وفقاً للمبادئ العامة للعدالة. وقد يشمل القرار:

  • إنذار.
  • خصم من الراتب.
  • فصل من العمل (في حالات المخالفات الجسيمة).

ويجب أن يكون القرار مسبباً ومعللاً قانونياً.


الضمانات القانونية للموظف أثناء التحقيق

ضمن إطار النظام السعودي للعمل (نظام العمل والعمل الحر)، يتمتع الموظف بعدة حقوق أثناء التحقيق، منها:

  • السرية التامة للمعلومات.
  • الحظر من التمييز أو الانتقام.
  • وكذلك الحق في الطعن على القرار التأديبي أمام المحكمة العمالية خلال 30 يوماً.

وقد نص نظام العمل على أن “لا يصدر جزاء تجاه الموظف إلا بعد التحقيق معه وسماع أقواله”، مما يؤكد على أهمية الإجراءات العادلة.


التحقيق الإداري والقوانين الداعمة في السعودية

إلى جانب نظام العمل، تدعم عدة أنظمة قانونية التحقيق الإداري، منها:

نظام مكافحة الرشوة (النزاهة)يُلزم الجهات باتخاذ إجراءات ضد المخالفات المالية والإدارية.
نظام حماية البيانات الشخصية (PDPL)يُنظم التعامل مع المعلومات أثناء التحقيق.
نظام الخدمة المدنيةيُطبّق على الجهات الحكومية، ويُحدد إجراءات التحقيق الوظيفي.
اللائحة التنفيذية لنظام العملتوضح إجراءات التحقيق والتأديب في القطاع الخاص.

أفضل الممارسات في إدارة التحقيق الإداري

لضمان فعالية التحقيق، ننصحك باتباع ما يلي:

  • توثيق جميع مراحل التحقيق إلكترونياً وورقياً.
  • مثل تدريب الموارد البشرية على إجراءات التحقيق.
  • وضع دليل داخلي للتحقيق الإداري في الشركة.
  • وكذلك الاستعانة بمستشار قانوني عند المخالفات المعقدة.

الخاتمة: التحقيق الإداري كأداة للعدالة المؤسسية

وفي نهاية المطاف، وبناءً على ما سبق من تحليل وتفصيل، فإن التحقيق الإداري في الشركات وفق النظام السعودي يُعد أداة قانونية فعّالة لتحقيق العدالة، والانضباط، والشفافية داخل بيئة العمل، ومن هذا المنطلق، يتضح أن نجاح هذا الإجراء لا يعتمد فقط على كشف الحقيقة أو توثيق المخالفة، بل يتعدى ذلك إلى ضرورة الالتزام الصارم بالشروط القانونية والإجرائية، واحترام حقوق الموظفين، واتباع إجراءات عادلة وشفافة.

ولذلك فلا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار التحقيق الإداري مُجرد إجراء شكلي، بل هو على العكس، عملية حساسة تؤثر مباشرة على سمعة المؤسسة واستقرارها الوظيفي، وبالتالي فإن احترام مبدأ حق الدفاع، وضمان حياد لجنة التحقيق، وتوثيق جميع المراحل، يعتبر من الركائز الأساسية التي تُرسخ مصداقية القرار التأديبي.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق هذه الشروط ليس فقط وسيلة لتجنب المساءلة القانونية أو الطعون أمام المحاكم العمالية، بل يُعد في الوقت نفسه خطوة استراتيجية لتعزيز ثقافة النزاهة والمسؤولية داخل المؤسسة، نتيجة لذلك، لا تحمي الشركات نفسها من المخاطر القانونية فحسب، بل إنها أيضاً تُسهم في بناء بيئة عمل إيجابية قائمة على الثقة والمساءلة، وفي السياق الأوسع، يُمثل التحقيق الإداري المستند إلى النظام والعدالة ركيزة مهمة في دعم مسيرة الإصلاح المؤسسي، مما يسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التحول الوطني ورؤية السعودية 2030، التي تُعلي من قيم الحوكمة، وحماية الحقوق، ورفع كفاءة الأداء المؤسسي.

موضوع مهم طريقة تملك الأجانب للعقار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اتصل الآن واستفسر عما تريد